إن حب الأم حب خالد لا تشوبه المعكرات ولا تنقص دفقاته الأيام، يصد الأب ويجفو الأخ، وتنفر الزوجة، ويتقلب الصديق،
ويلجُّ بالهجران الحبيب، أما الأم فلا يمكن أن تتغير أو تتلوث بلوثات الهوى أو الغضب أو الأنفة، ولا يمكن أن يغادر
عصفور الحب أعشاش قلبها، وإن غضبت أو ضجرت فإلى جزيرة هادئة ترسو سفينتها، إنها سيدة الجميع ، وست
الحبايب، والجنيه الذهب الذي لا يُذهب رونقه تقليب الأكف ومداولة الأصابع، والنور الذي لا ينضب، والماء العذب الزلال إذا
اعتكرت الموارد أو قلّتْ.
ليس هناك قلب يحوي الكمال البشري بكل صوره إلا قلب الأم، ولا يفطن إلى هذا الأمر إلا القليل.
من هؤلاء النسوة تنبغ العبقرية وتولد المعجزة. إن الأم إذا عرفت كيف تصب أحاسيسها المرهفة في قلب صغيرها
وزوّدت نفسه بأجمل الصفات وأعظمها، فإنها تصنع التاريخ وتغير مسار الحضارة. يقول أحد المبدعين :
" إن قبلة من أمي جعلتني فناناً" أي أنها أرهفت حسّه، وجعلته ذا نفْس مشرقة، تنظر إلى الوجود على أنه مجموعة
أسرار تحتاج إلى قلب وعقل يكتشفان كنهها.
وجميلٌ قول الشاعر يصف ضحكة الأم كرنين الحليّ تستهوي القلوب،
وتوقظ مصابيح الإحساس في النفوس، وما إخالها إلا ضحكة الأم،
تلك الضحكة التي لا يمكن أن تلونها تهويمات النفس وحظوظ الجسد...
ضحكة منك صوتها تغريد العصــــافير تستــــفز القلوبا
ضحكة ردّت المشيب شباباً وأماتت من الوجــــوه الشحوبا
ضحكات كأنها نغمـــــات تترك الغافل الغبــــــي طـــروبا
تنزع الهم من ضلوع ذوي الهم وتحني على القلوب القلوبا
وأخيراً مع هذه الأبيات الجميلة المترجمة لشاعر إيطالي رقيق
هو (إدموند دي أميتشيس) لعل ما فيها من رقة وجمال يفي بعض الحق لقلب الأم جوهرة الحب ونبع الجمال الصافي.
يقول الشاعر:
إن الزمان لا يقوى دائما على محو الجمال
ولا تذبله الدمــوع والأحـــزان
فإن لأمي من العمر ستيــن عامـاً
وكلما ازددت تحديقا في وجهها ازدادت في عيني بهاءً
كل حركة أو نظرة أو ابتسامة أو عمــــل منها
تلامس أعماق قلبي بعذوبـــــة وحـلاوة
أتمنى أن أصورها حينما تحنـي إليّ وجهـــها
لكي أقبل ضفيرتهــــا البيضــاء
أو حينما تكون مريضــة أو مــتعبــــة
وتخفي عني ألمها بابتسامــة حنـــون
ووددت لو أستطيع أن أستبـــــدل حياة بحيـــاة
فأهب أمـــي شبابــــي وقوتـــــي
لأرى نفســي شيخــاً هرمـــاً
وأراها من تضحيتي في عنـفــوان الشبــاب
للامانه : اعجبني فنقلته